الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية "الخوف" للفاضل الجعايبي وجليلة بكار: هل من حدّ لهذا الليل المجنون؟

نشر في  04 نوفمبر 2017  (14:25)

العاصفة كانت عاتية، أتت على الاخضر واليابس... شلت الحركة ومعها ناس البلد.. فكيف الخلاص، وأين الملاذ؟ في مسرحية "الخوف" التي تعرض حاليا بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، سربل الفاضل الجعايبي وجليلة بكار شخصياتهما بسواد البلد وبعبثه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لينقلا صورة عن انسانية على شفا هاوية، على صفيح عدمية ساخنة. انسانية غاصت في تطاحن ليلي مجنون، فقدت مراجعها وصوابها بحكم حالة الفوضى السائدة والعجز على ايجاد منافذ للنجاة. من مربع أسود بمستشفى مهجور، تتطلع الوجوه، وجوه أعضاء فرقة كشفية كانت بصدد التخييم قبل أن تنزل عليها العاصفة لتقصف مقومات العيش المشترك.

في هذا المربع الأسود، تعلو رويدا رويدا جدران الفرقة وحيطان الانهيار. انكسار الذات العاجزة على ايجاد حل، على العثور على مخرج من الكارثة التي حلت بالجميع. وهي التيمة الرئيسية التي اشتغل عليها الثنائي الجعايبي وبكار. صحيح إنّ المسرحية تحمل عنوان "الخوف"، لكنه ليس الا عنصرا من الطامة التي نزلت على الرؤوس، من "القبر الكبير" الذي أضحى يُسيّج وجود هذه الكائنات، من هذا "المنداف" الذي أطبق فكيّه على فريسته.

 "عتّبنا عالم آخر، خارج التاريخ والجغرافيا" تقول احدى الممثلات مبرزة حجم القطيعة الموجعة التي أضحت المجموعة تعاني منها. وهي أفكار تكررت طيلة المسرحية لتقول أبيسية الإحباط الذي استبد بنفوس الشخصيات وعجزهم على ايجاد مخرج لمأزقهم.

 قد يحيل المأزق الذي تطرقت اليه مسرحية "خوف" الى وضعية البلاد وتخبطها في مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية عسيرة، لكنه يحيلنا بالأساس الى عجز الفكر الانساني عن استنباط الحلول، عن اقتفاء أثر للنور، عن دورانه في حلقة مفرغة الى أن "تأكل الأم صغارها"، عن عقمه المثير للسؤال. فكيف للعقل الانساني أن يراوح في مستنقع الفشل، في دواميس الظلام، أن يظل حبيس الضيق والعنف ومغارة اللافكر؟

بنفس السواد الذي وشّح أعمال "العنف" و"تسونامي" و"يحي يعيش"، واصل الجعايبي وبكار انغماسهما في مياه الغرق، الى حد فقدان التنفس، الى حد الإختناق اذ لا أمل ولا سبيل.

تضرب العاصفة من جديد. رياح عاتية، كائنات مكسورة، أضواء خافتة، جماجم الفناء، صراعات منهكة، كلام بلا معنى، مزيد من الاوجاع، من الضياع، من العنف والخوف والاعتداءات... تشهد الأجساد على ذلك، تئن الأرواح من وقع ذلك. تقول احدى الممثلات "منعرفش كان هالاوراق باش تتقرا نهار؟" في اشارة الى العدمية التي باتت ملح الحياة ومائها... ومن هذه المتاهة، تتعالى فجأة مقتطفات موسيقية للويس امسترونق وبوب مارلي والفيس برسلي كبصيص امل، كمتنفس يسمح بمعانقة الحياة من جديد قبل أن تواصل المصيبة زحفها. وكأن بالجعايبي وبكار يقولان إنّ الفن في هذه الأوقات العصيبة يمكن أن يهدي شذرات من الفرح لا أكثر.

في خطوة أخيرة، ومن بين حطام المجموعة (فاطمة بن سعيدان، رمزي عزيّز، نعمان حمدة، لبنى مليكة، أيمن الماجري، نسرين المولهي، أحمد طه حمروني، معين مومني، مروى المنّاعي)، يأخذ أحدهم الكلمة ليقول إن الحل قد يكون في العودة الى الطبيعة، في التخلص من كل هذا الزيف، من هذه الأقنعة التي أنهكت البشرية بجشعها، بسمومها وبخطاباتها الجوفاء. قد يكون الحل، وفق مسرحية "الخوف" في الطبيعة  بعيدا عن هذا القرف المدمر، بعيدا عن حالة الوهن والعبث التي استبدت بالبلاد. قد يكون هو ذاك الحل الأخير عسى أن تبزغ شمس جديدة وتينع أزهار أكثر رأفة وتهب رياح تحمل في طياتها بذور فجر جديد.

في "الخوف"، بدا لنا الثنائي الجعايبي وبكار كشاهدين على العصر، يقدمان مسرحا يراوح بين الاستباق والوثيقة. استباق الكارثة التي بثت جذورها في البلد، فهلا تحركنا، فتحنا أعيننا قبل أن يعم السواد النهائي؟ المسرحية تُلح وتُلح ثم تُلح على هذا البعد مبرزة الدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح أو غيره من الفنون في المجتمع، هذا الدور الناقد، الرافع لصفارات الانذار، الطارح للأسئلة الحارقة التي تتغاضى عنها أبصار المجموعة إما خوفا أو جهلا أو انعداما للحساسية. أما في ما يخص الوثيقة، فيمكن النظر الى "الخوف" من منظور تسجيلي، راصد للأحداث، فالمسرح له أيضا من هذه الأدوار التي تعيد صياغة الوقائع فنيا. أن يعكس بمفرداته وبعوالمه ما يعيشه الأفراد على أرض الواقع، فيكون ترجمانا ابداعيا لاهتزازات للحاضر.

شيراز بن مراد